شريط حياة الرقّة ما بين تراجع وازدهار
في القرن التاسع قبل الميلاد، ازدهرت مدينة تُتُّل (الرقّة) عاصمة مقدّسة لعبادة الإله داگون (دجن)، ديانة الفينيقيّين والإغريق ومن في فلكهم، تحت حكم الإمبراطورية الآشورية الحديثة. لكن في القرن السابع قبل الميلاد، تراجعت المدينة بسقوط الإمبراطورية الآشورية وأصبحت تحت حكم الإمبراطورية البابلية الحديثة… حتّى أنّ قداسة تُتُّل انتقلت إلى حمص.
في عام 333 قبل الميلاد، ازدهرت المدينة مرّة أخرى، وأصبحت تُتُّل (الرقّة) تعرف باسم نقفوريون Νικηφόριον تحت حكم الإمبراطورية المقدونية (الأخمينية سابقاً) والمقدونيّين بالأساس على ديانة داگون (دجن). وفي عام 323 قبل الميلاد، تقسّمت الإمبراطورية المقدونيّة، لكن نقفوريون استمرّت بالتطوّر والازدهار بشكل ملحوظ تحت رعاية الإمبراطورية السلوقية بدءاً من عام 312 قبل الميلاد.
في عام 200 قبل الميلاد، بلغت نقفوريون ذروة ازدهارها كمركز هلنستي تحت حكم الإمبراطورية السلوقية والسلوقيّين بالأساس على ديانة داگون (دجن). لكن في عام 64 قبل الميلاد، تراجعت المدينة بضمّها إلى الإمبراطورية الرومانية، الذين نقلوا قداستها إلى الجهة المقابلة على نهر الفرات في مدينة الرصافة.
في القرن الثالث الميلادي، ازدهرت مدينة الرقّة مجدّداً كمستوطنة رومانية مهمّة تحت حكم التغالبة تحت اسم قَلّينِكُم Καλλίνικον. لكنّها تراجعت مرّة أخرى عام 540 ميلادي بغزو الساسانيين لها وطرد بني تغلب منها غرباً إلى المعرّة.
في عام 640 ميلادي، عادت المدينة للازدهار بعد فتح العرب المسلمين لها، وأصبحت تعرف رسميّاً باسم الرقّة (الرگّة) تحت حكم الخلافة الراشدة وعودتها عاصمة للجزيرة العليا بحكم تغلب. وبلغت ذروة ازدهارها عام 772 ميلادي عندما أصبحت عاصمة للخليفة هارون الرشيد في ظلّ الخلافة العبّاسية.
لكن في عام 1258 ميلادي، تراجعت الرقة بغزو المغول لها وأصبحت تحت حكم إيلخانات بلاد فارس. واستمرّ تراجعها بشكل حاد عام 1400 ميلادي بغزو التيموريّين لها في ظلّ حكم سلطنة المماليك، فهجرها أهلها نزوحاً بأغلبهم إلى حلب، ودخلت الجزيرة العليا مرحلة الفلت.
عادت الرقّة للاستقرار والازدهار عام 1683 ميلادي تحت الحكم العثماني. لكنّها تراجعت مجدّداً في عاميّ 1800 و 1816 ميلادي بغزو فصائل كردية مسلّحة للرقّة تحريضاً من بريطانيا.
شهدت الرقّة فترة ازدهار عام 1960 مع قيام مشروع سدّ الفرات في ظلّ الجمهورية العربية المتّحدة. لكنّها عانت من تراجع كبير عام 2013 باندلاع الحرب السورية وسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية داعش عليها. وفي عام 2017، تراجعت أوضاع المدينة بشكل حاد مرّة أخرى باحتلال قُسُد قوّات سوريا الديمقراطية لها.
يبقى أن أقول أنّ اسم الرقّة مستمدّ من تشبيه تلّتها بالسلحفاة، واسم السلحفاة في الفرات هو الرگّة. أمّا أسم المدينة الأوّل تُتّل فمعناه تلال، لأنّها مجموعة تلال.