
المشكلة الاساسية والعائق الكبير في الحفاظ “العلمي” على التراث العمراني في مصر ، هو مزاجية وتشكيل العقلية الحكومية التي تؤمن بتأدية الأعمال من خلال الافراد المعينين والادارات الفنية ، وبدون المشاركة من مؤسسات القطاع الخاص بكل عنفوان العلم والحماسة لديها ، فان الكوارث التي لا يمكن ردها تكون مسألة وقت
بالفعل لقد قدمت تلك الادارات ، لجنة الآثار العربية والادارات الهندسية في هيئة الأثار المصرية والمجلس الأعلى للأثار ، الكثير من الجهود في وقت كان الالمام بتقنيات الحفاظ على التراث وقف على مبعوثي ومستخدمي الدولة ، ولكن مع التوسع الحرفي ، والتأكيد العالمي على ضرورة اشراك مؤسسات القطاع الخاص ، فان العجز الحكومي لترجمة هذا في آلية يمكنها العمل صار يعد ضرباً من الخيال
ترى كم من المنشأت التراثية التي لن تعوض سوف تندثر قبل أن يعترف الحكوميين بأنهم لا يحسنون صنعاً
كان يجب على الدوة أن تطرح أعممال تصميم وترميم هذا المبنى التراث في مسابقة ، ويمكن أن تكون دولية ، وبالتالي كان يمكن استيراد وتطبيق أفضل الممارسات ، بدلاً من النرجسية الحكومية بأن الدولة تعرف كل شئ وقادرة على أي شئ







تحقيق: شهاب طارق
-دكتور مصطفى وزيري: كان لا بد من رفعه للحفاظ عليه
-دكتور صالح لمعي: نفتقد إلى العلم
-دكتور محمد الكحلاوي: جرس إنذار لمرحلة مقبلة
-دكتور حسام إسماعيل: هدم وتخريب لأثر فريد
-محمد أبو العمايم: قرافة أعلام مصر مهددة بالغرق بسبب المياه الجوفية
-أبو العلا خليل: المصريون أجلوا المشهد منذ أكثر من ألف عام
عانى مشهد آل طباطبا السنوات كثيرة؛ حاصرته مياه بحيرة عين الصيرة، وتآكلت حوائطه، وأصبح مهددًا بالسقوط في أي لحظة، وبعد سنوات من مناشدة المسئولين بالآثار لإنقاذه باعتباره أخر ما تبقى من آثار العصر الإخشيدي، استجابوا بالفعل لكن قرروا نقله!
وخلال الفترة الماضية تداول العاملين في المشروع صورًا لما أسموه بعملية نقل مشهد آل طباطبا، صورًا أثارت الكثيرين من المتخصصين في الأثار وفي الترميم، الذين اعتبروها عملية هدم للمشهد الأثري، ومع اعتراض الكثيرين على ما يحدث، لجأت الوزارة لإصدار بيان أكدت فيه أن عملية فكه تمت بناء على دراسات هندسية حفاظًا عليه من تسرب المياه بداخله، إذ قال أسامة طلعت رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية: «أعمال الفك والنقل تتم وفقا للأساليب العلمية المتعارف عليها، وعملية النقل جاءت لحماية المشهد والحفاظ عليه وإظهار قيمته الأثرية والفنية»، واستشهد رئيس القطاع بعملية نقل معبد أبو سنبل، ومشروع إنقاذ معابد النوبة، وكذلك قيام لجنة حفظ الآثار العربية بنقل زاوية فرج بن برقوق لعمل توسعات.أثناء النقل
الدكتور مصطفي وزيري الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في حديث له لأخبار الأدب قال إن مشهد آل طباطبا قد غمرته المياه منذ سنوات والتي أثرت عليه كثيرًا، وأثرت على الكثير من الآثار، وقد قمنا بمشاريع منذ عام ٢٠٠٤ لسحب المياه الجوفية من أغلب المعابد في مصر، فبدأنا بالأقصر وقمنا بعمل مشروع لسحب المياه من أسفل معبد الكرنك والأقصر، وفي ۲۰۰۸ بدأنا في البر الغربي من معبد الرامسيوم، ومعبد هابو، وبعدها قمنا بسحب المياه من إدفو ثم كوم أمبو، ومن ثم كوم الشقافة، وتلك المشاريع كلفتنا الملايين، لكن كان من الصعب جدًا سحب المياه من بحيرة عين الصيرة فكي ننقذ الأثر الذي دمرته المياه الجوفية كان يجب أن نقوم بعملية نقل له بالقرب من متحف الحضارة، واخترنا مكانًا مرتفعًا، وكذلك قمنا بعمل عوازل للأثر من الأسفل كي لا يتأثر بالمياه، فالمجلس الأعلى للآثار هو من سعى لإنقاذ الأثر وهو من بحث في إيجاد طريقة لإنقاذه، وبالفعل دخل الموضوع للجنة الدائمة للآثار الإسلامية، وعرض على لجنة استشارية وهندسية، وتم الموافقة على اختيار المكان، واتخذنا الموافقات اللازمة، وأسند الموضوع للوحدة الإنتاجية التابعة للمجلس الأعلى للآثار والتي تحوي أكثرها على استشاريين في الترميم، لكن لم يكن من الممكن إنشاء سد لحجز المياه، فالمياه موجودة من أسفله، وكان لابد من رفعه للحفاظ عليه، وأنا أود أن ينتظر الجميع الانتهاء من عملية نقله بموقعه الجديد وإعادة تركيبة التي قد ننتهي منها في أواخر شهر أبريل القادم.
كان من الصعب جدًا سحب المياه من بحيرة عين الصيرة فكي ننقذ الأثر الذي دمرته المياه الجوفية كان يجب أن نقوم بعملية نقل له بالقرب من متحف الحضارة
عمارة المشاهد
يرى الدكتور حسام إسماعيل أستاذ العمارة والآثار الاسلامية بكلية الآثار جامعة عين شمس إن نقل المشهد يفقده قيمته، يشرح: الدولة الإخشيدية التي يعود اسمها لمحمد بن طغج الإخشيدي، والتي ينتمي إليها هذا المشهد، عندما أتوا إلى مصر جاءوا كولاة عباسيين في بداية الأمر ، لكن أرادوا أن ينفصلوا بالحكم تحت مظلة الخلافة العباسية ، فأرادوا التقرب إلى الناس وبدأوا يأتون بآل البيت، كي يضفوا صبغة روحية ودينية على حكمهم وأتوا بآل طباطبا الذين ينسبون إلى الرسول، وهذا الأمر حدث كثيرًا فمثلًا الفاطميين في أواخر دولتهم أقاموا العديد من المشاهد لأن الخلافة في ذلك الوقت قد ضعفت وأرادوا استعادة قوتها مرة أخرى، وقد جاءت في كتب المزارات التي كتبت عبر العصور أن مشهد آل طباطبا هو الحد الغربي للقرافة، وقد بني لدفن آل البيت بداخله، وكان عبارة عن مصلی تقام فيه الصلوات الخمس والنوافل، ويعود للقرن العاشر الميلادي، وهو ما تبقى لنا فقط من العصر الإخشيدي، لأنهم لم يمكثوا كثيرًا، وبالتالي لم يقوموا ببناء أماكن كثيرة.
يضيف إسماعيل: عمارة المشاهد اختلفت من عصر لأخر ولدينا طرز كثيرة، منها مشهد السيدة رقية، وكذلك مشهد عتكة والجعفري، ومشهد الحسين الذي جدد عبر العصور، وكذلك مشهد سيدي عقبة بن عامر، وهذه المشاهد جددت عبر العصور أيضا باستشاء مشهد آل طباطبا الذي ظلت عمارته كما هي، والجزء المتبقي هو جزء صغير من جزء أكبر لم يعد موجودًا، وكان يجب معالجته وترميمه في مكانه الأصلي لأن أهميته ترجع إلى المكان الذي أنشأ فيه، لأسباب سياسية واجتماعية المتمثلة في العقيدة، فمنطقة القرافة عرف عنها أن بها «غراس الجنة»، وبالتالى فقد المشهد قيمته بالنقل لأنه لم يعد في المكان الذي خصص له، وهو كما ذكرت يقع في الحد الغربي للقرافة، التي تميزت بتنوع المباني والطرز المعمارية بداخلها، سواء التي تخص المسلمين أو المسيحيين أو اليهود، فهناك طرز معمارية تعود لزمن عمرو بن العاص، ثم تعاقب الدول، وصولًا إلى القرن الـ۱۹ والـ۲۰، لكنى دهشت حين استشهدوا بالآثار التي نقلت في عهد لجنة حفظ الآثار العربية وهذا حدث بالفعل، لكنهم كانوا ينقلون مبان من الحجارة، وعندما نقلوا زاوية فرج بن برقوق كان ذلك أول أثر ينقل على مستوى العالم، ونقل لتوسعة الشارع، وكان من السهل فکه وإعادة تركيبه مرة أخرى، ورغم ذلك استقال على باشا مبارك من لجنة حفظ الأثار العربية اعتراضًا على النقل، أما أن ينقل المشهد بهذا الشكل فهو أمر مؤسف لأنها عملية لا يمكن وصفها سوى أنها عملية هدم وتخريب لأثر فريد.
عمارة المشاهد اختلفت من عصر لأخر ولدينا طرز كثيرة، منها مشهد السيدة رقية، وكذلك مشهد عتكة والجعفري، ومشهد الحسين الذي جدد عبر العصور، وكذلك مشهد سيدي عقبة بن عامر، وهذه المشاهد جددت عبر العصور أيضا باستشاء مشهد آل طباطبا الذي ظلت عمارته كما هي
من جانبه يقول المؤرخ أبو العلا خليل إن المصريين أجلو المشهد منذ ألف عام أو يزيد، وكانوا يقصدوه للزيارة، ويعد دون عنده ذكر كرامات وفضائل المقبورين به، وقد دفن فيه عبد الله بن أحمد بن طباطبا المتوفى عام ٣٤٨هـ حيث كان رضي الله عنه يخرج من بيته في ظلام الليل حاملًا بنفسه الطعام والشراب والمال ويجوب المدينة بحثا عن جائع أو صاحب حاجة حتى أنه كان يرسل إلى حاكم مصر كافور الإخشيدي قطعتين من الحلوى ورغيفًا في منديل كانت أمه تعجن الرغيف بيدها وهي صائمة وتقرأ عليه القرآن وتخبزه على سبيل التبرك ، وكان ذلك الرغيف زاد وزواد كافور الإخشيدي، الذي قال : «والله لا أقطعه ولا يكون قوتي بعد اليوم سواه»، وقد كان أقصى أماني أهل مصر رقدتهم تحت أقدام هؤلاء الأشراف من آل طباطبا.
وضع كارثي
محمد أبو العمايم الخبير بالمعهد الفرنسي للآثار الشرقية والذي عاصر المشهد قبل محاصرته بالمياه يقول إنه في عهد الدكتور أحمد قدري طلب منا عدة مشروعات من ضمنها مشهد آل طباطبا وكان ذلك قبل أن تغمره المياه فطلب منا عمل سور وقاعة لمفتشي الآثار حوله، ونفذنا الأمر وحينها لم تكن مياه بحيرة عين الصيرة قد أحاطته، وكان الأثر جافا، وبه قواعد أكتاف المصلي الأثري بجانب ملحقاته التي تظهر حاليًا، مثل الأضرحة والقباب، وكذلك السبيل، وكان وضع الأثر عادی، فقط الأضرحة هي التي كانت بها رطوية تظهر على الجدران، وعندما تفاقمت المشكلة غمر المشهد وتفاقمت مشكلة مياه بحيرة عين الصيرة، وقد حذرنا بعد ذلك كثيرًا من تفاقم الوضع الذي لم يحل حتى الآن، ولازلنا نحذر بأن القرافة كلها مهددة بالغرق بسبب المياه الجوفية، بل وبدأت الترب تتساقط في الوقت الحالي، وسقطت التراكيب الرخامية وبدأ «التربية» ببيع هذا الرخام الذي يعتبر آثار، ونحن حذرنا كثيرا من أن تلك المياه ستمتد إلى الإمام الشافعي، وبجواره سلاطين وزوجات سلاطين وأمهات السلاطين، فالوضع كارثي في الوقت الحالي.
المصريون أجلو المشهد منذ ألف عام أو يزيد، وكانوا يقصدوه للزيارة، ويعد دون عنده ذكر كرامات وفضائل المقبورين به
خطورة داهمة
الدكتور محمد الكحلاوي أستاذ الآثار الإسلامية ورئيس اتحاد الأثريين العرب يقول، للأسف سبب ما نحن فيه الآن هو اشتراك شركات مقاولات، تتعامل مع الآثار، بالطوب والحصى والحديد وهي شركات غير متخصصة في الترميم، وعلينا أن نرى ما فعلوه بجامع الأزهر وجامع عمرو بن العاص من قبل، فحينها ذهبت إلى اليونسكو مع الدكتور صالح لمعي لوقف المهازل التي حدثت، فواقعة مشهد آل طباطبا أثارت استغرابي كباحث وكأثري، خاصة في ظل وجود تقنيات تكنولوجية متقدمة للحفاظ على الآثار، وأنا أتساءل ما الفائدة التي ستعود علينا من نقل مشهد آل طباطبا، هل بتلك الطريقة سيتم إحياء الأثر؟ وأنا أؤكد على أن التطاول على الآثار الإسلامية أصبح مباح من جانب الوزارة، وهي المسئولة عن ترك مشهد آل طباطبا بهذه الحالة المتردية منذ سنوات، والتي يجب أن تسأل عما لحق به، لأننا في كارثة كبيرة وهذا الأمر هو جرس إنذار تنبأ بخطورة داهمة المرحلة قادمة تحاك ضد الآثار والمواقع الإسلامية القائمة، في ظل التفسيرات الموجودة الآن من جانب مسئولى الوزارة، وأنا اتساءل كيف بنوا متحف الحضارة، والمباني المحيطة به، وكيف لا يتمكنوا من إنقاذ أثر في نفس محيط المنطقة؟!
سبب ما نحن فيه الآن هو اشتراك شركات مقاولات، تتعامل مع الآثار، بالطوب والحصى والحديد وهي شركات غير متخصصة في الترميم
تحزيم الأثر
الدكتور صالح لمعي أستاذ العمارة الإسلامية والترميم، وعضو هيئة الإيكوموس باليونسكو يقول إنه في ثمانينيات القرن الماضي كلفه الدكتور أحمد قدري عندما كان رئيسًا لهيئة الآثار بالموضوع، وكان مدير الهندسة حينها المرحوم حسان عبد النبي، يضيف: عاينا المبنى وقتها وكان غارقًا بمياه الصرف الصحي، فبحيرة عين الصيرة كانت مقصدًا للناس بغرض العلاج على أساس أنها مياه كبريتية وهذا الأمر كان يتم في عشرينيات القرن الماضي، لكن حين ذهبت وجدت أن المياه الموجودة حول المبنى هي مياه صرف صحي، وسبب المشكلة أنه بعد سنة ١٩٥٢، لم تحدث بنية تحتية، وأتذكر أنه في يوم من الأيام أغلقت منطقة السيدة زينب لثلاثة أيام بعد عمل بيارة عميقة ونبدأ سحب المياه من البيارة بطريقة دقيقة دون أن نسحب التراب أو الـSalt، حتى تظل التربة ثابتة دون مشاكل، وبعد أن تنتهي من تلك العملية يتم إصلاح المبنى، وهذا الموضوع كان مكلف للغاية، وميزانية هيئة الآثار لم تكن تسمح بعمل مشروع مثل هذا، فتوقف المشروع.
وتلك الطريقة العلمية هي ما كانت يجب أن تتبع في الوقت الحالي للحفاظ على الأثر بشكل سليم، وكما أسلفنا إذا كانوا يريدون نقل مشهد آل طباطبا المبنى بالطوب، كان ينبغي عليهم تحزيمه، وصلبه من الداخل والخارج، وهذا ما كان يجب أن يحدث وهي عملية صعبة لأنها تحتاج تدعيم القباب من الخارج والداخل، وبعد دراسة المبنى بشكل كامل يتم الاختيار بخصوص هل سيتم قطعه بشكل رأسي أم أفقى، وهذا هو العلم الذي ينقصنا والذي افتقدناه للأسف الشديد. أما بخصوص نقل مبنى من الطوب الأجر هناك شئ مماثل حدث في عهد الدكتور أحمد قدري يخص مأذنة الأمير حسين بشارع بورسعيد، وقد بنى الجزء السفلي منها بالحجر والجزء العلوي من الطوب، وأرادوا فكها، فقلت لهم إن الحجر يمكن فکه بسهولة، لكن الجزء العلوي من الطوب لا يمكن إلا باتباع أساليب محددة، وقلت لهم أن العراق سبقتنا في الأمر حينما كان عندهم مأذنة من الطابوق (الطوب)، وقاموا بتقطيعها من خلال صلبها من الداخل ومن الخارج، وبعد ذلك قاموا بوضع دمسة تحتها (طبقة حديد)، ومن ثم استخدمت الرافعة لنقل أجزاء المأذنة ووقتها قطعوا المأذنة الثماني قطع، واستطاعوا في النهاية بنائها بشكل كامل، لذلك حافظوا على قيمة المادة المستخدمة، وظل عنصر الأصالة بالمبنى كما هو، لكن ما حدث في آل طباطبا أنه بعملية نقله تلك قد فقد عنصر الأصالة؛ أي أصالة التصميم، وأصالة الحرفة، بجانب أصالة المادة، لأنه سيضطر تعويض هذا الطوب بأخر مستحدث، لبناءه مرة لأنه كان يجب أن يعالج الأثر، في موقعه وإذا أراد فكه لا يتم الأمر بالطريقة التي حدثت، لأنه بهذا الشكل لن يحتاج إلى مهندسين لأن الذي حدث هو هدم للأثر، وتكسير للحجارة التي بنى بها، وبالتالى فعملية فكه هذه ليست شطارة ولا أي شيء، بل ما سيحدث هو إعادة بناء للأثر من خلال الرجوع للرسومات التي رسمها كريزويل، وهذا هو للأسف ما ينقصنا لأننا لا نملك التحدي في العلم، ولا نملك المشاركة الأهلية في الحفاظ على الآثار.
كان ينبغي عليهم تحزيمه، وصلبه من الداخل والخارج، وهذا ما كان يجب أن يحدث وهي عملية صعبة لأنها تحتاج تدعيم القباب من الخارج والداخل، وبعد دراسة المبنى بشكل كامل يتم الاختيار بخصوص هل سيتم قطعه بشكل رأسي أم أفقى، وهذا هو العلم الذي ينقصنا والذي افتقدناه للأسف الشديد
ذاكرة المدينة
يضيف لمعي: هناك موقف حدث مع الجامع العمري الكبير في صيدا بلبنان، فهو كان جزءا من كنيسة تعود للقرن ۱۳ الميلادي، وكان موقعًا مهما يخص فترة «فرسان المعبد» في زمن الحملة الصليبية، وعندما دخل الإسلام هناك في زمن الأشرف خليل بن قلاوون، تحول المبنى إلى جامع، إلا أنه ضرب بالصواريخ عام ۱۹۸۲ من جانب إسرائيل، والتقرير الهندسي جاء فيه أن المسجد لا يمكن بناءه مرة أخرى، ولأن الجامع كان له ذاكرة تاريخية في تاريخ المدينة، حيث قامت داخله الثروات ضد الاحتلال الفرنسي، وخطب فيه كثيرا الزعيم الشيعي الشهير موسى الصدر رحمه الله، فأصبح مجال للوحدة الوطنية، وصمم الشعب والأهالي على بناءه مرة أخرى، وطلب منى ترميمه، وحينها بدأنا بإعادته مرة أخرى، وحصلنا على جائزة الأغاخان، ليس فقط لأننا أعدناه مرة أخرى بطريقة علمية، بل لأن بناءه كان بفضل المشاركة الأهلية في الحفاظ على ذاكرتهم التاريخية، والعودة إلى روح المكان، ونفس الأمر ينطبق على مشهد آل طباطبا فهو يحمل ذاكرة تاريخية لروح المدينة القديمة، وهو يخص العائلة النبوية، فعملية الحفاظ على الآثار هي عملية تضحية نابعة من وعي الشعب، لأنها عملية حفاظ على الذاكرة الوطنية، أتذكر في العراق عندما أرادوا الحفاظ على ذاكرتهم التاريخية، والتي تخص مأذنة «الحدباء» بجامع النوري بالموصل وهي مئذنة مائلة مشيدة بالطابوق، وقد أرادوا عمل مشروع تقوية لها، فاستخدمت الشركة الإيطالية المكلفة بالمشروع نوع من «الخوازيق الإبرية» للحفاظ عليها كما هي بشكلها المائل ونجح المشروع في النهاية، وهذا ما كان ينبغي أن يفعل بالمشهد وهو أن نستخدم العلم الذي للأسف افتقدناه.
أخيرا يقول د. لمعي سواء الأثر فك أو هدم فالأثر في النهاية فقد قيمته، وعلينا أن نحترم اتفاقيات اليونسكو، لأن العمل داخل المناطق التي حددها اليونسكو ينبغي أن تعرض عليه وأن تأخذ موافقته كتابتًا، وهذا ما كان يجب أن يتم، لأني أخشى أن ندخل في مشاكل نحن في غنى عنها.
مشهد آل طباطبا يحمل ذاكرة تاريخية لروح المدينة القديمة، وهو يخص العائلة النبوية، فعملية الحفاظ على الآثار هي عملية تضحية نابعة من وعي الشعب، لأنها عملية حفاظ على الذاكرة الوطنية
التحقيق منشور في العدد الحالي من أخبار الأدب